خارطة الدم من بيروت الى غزة

"خارطة الدم" من بيروت إلى غزة

قبل أسابيع بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة، أي الحرب المباشرة، هذه الحرب التي تُظهر كما غيرها من الحروب الإسرائيلية على الفلسطينيين واللبنانيين مدى وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية، الوحشية المرتبطة بتاريخ طويل من حروب ومجازر ضد الشعب الفلسطيني، بداية عبر عصابات الهاغاناه وصولاً إلى اعلان دولة إسرائيل في العام 1948، وتحول أعضاء هذه العصابات إلى جيش نظامي صار عصب دولة إسرائيل.
الحروب العربية الإسرائيلية في أسوأ أوقاتها، وفي أَحسنها، لم تكن خلال أكثر من ستة عقود إلا مذبحة تلو مذبحة، يقوم بها العدو الإسرائيلي، يُقتل فيها الآلاف من الأرواح البريئة ليعاود هذا الجيش ومؤسساته الاعلامية إكمال الحديث الذي بدأه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عن حماية اليهود من القتل والمذبحة، ومن نظرة واحدة إلى الواقع التاريخي يجد المرء ان لا مشكلة حقيقية عبر التاريخ بين اليهود والعرب.
في هذا العصر وبعد إنشاء دولة إسرائيل صار العرب يقومون وبعد كل حرب بتعداد مآثرهم وانتصاراتهم، والضربات التي أنزلوها بالعدو، وبعدها يقومون بتعداد الهلعين في الجانب الإسرائيلي وعدد قتلاهم الذي لم يتناسب ولا مرة إلى منطق المساواة ولا بأي شكل مقابل ما سقط من مواطنين عزّل أو حتى عسكريين ومقاومين.

في بعض الحروب التي استطاع العرب فيها الصمود من دون الانهيار العسكري، سميت تلك الحروب بالوقفات وبالانتصارات التي تسبغ عليها تسميات ضخمة يحس المرء فيها بان قوة فضائية أو أعلى كثيراً هي التي قاتلت عن العرب، ولكن الشيء الوحيد الذي ينسونه هو تسمية "الصمود"، مع ان هذه الكلمة تكفي لتغطي على الكثير من الهزائم في هذه الحروب غير المتكافئة، فالهزيمة في العام 1948 والتي سميت نكبة، إلى صمود مصر في حرب العام 1956، والهزيمة في حرب العام 1967 والتي سميت "نكسة"، ومن ثم الصمود في العام 1973 واسترجاع بعض الأرض في سيناء، وبعدها إلى الهزيمة والصمود في حرب العام 1978 واحتلال جزء من لبنان ليلحق بها المنطق نفسه في العام 1982، وما تلاه من بناء مقاومة وطنية لبنانية.
حين اشتعلت حرب غزة قبل أسابيع بشكلها المباشر والوحشي على ما نراه في أجهزة التلفاز في بيوتنا، وما نسمعه من مراسلين لبسوا ثياب الحماية من الرصاص والشظايا أمام الكاميرات. في هذه الحرب رأينا ان الصواريخ ما زالت تطلق ليعلن الطرف الفلسطيني في غزة ان باستطاعته البقاء على ما بدأه قبل هذه الحرب، أي أنه بدأ الحرب بإطلاق صواريخ "القسام" و"قدس"، هذه الصواريخ التي تظهر في الاعلام العربي الممانع بأن هناك قوتين تتقاتلان ولديهما أسلحة متوازية يعلم كل من اشتغل في المجال العسكري انها لا تغير في واقع الأمر شيئاً، ولكنها بالنسبة للمقاوم هناك في غزة تكفيه ليقول بانه موجود ولم ينته أمره. هذه الصواريخ المتنقلة بين أحياء مدن غزة، مقابل استمرار الطائرات الحربية الإسرائيلية ومدفعية العدو وبارجاته الحربية في استهداف الفلسطينيين، عزلاً من نساء وأطفال ورجال في بيوتهم ومدارس "الأونروا" التي فروا إليها، وكذلك عزلاً من مقاتلين لديهم بعض الأسلحة الخفيفة وأكثر من مئتي صاروخ "غراد" تتناقص كل يوم تم تهريبها عبر الحدود مع مصر، وبعض صواريخ الـ"كاتيوشا" وكذلك عبوات ناسفة تم تصنيعها بمواد محلية في مصانع الحدادة التي تحولت مع الوقت إلى مرمى لنيران العدو.
في هذه الحرب الغزاوية يحاول البعض، إجراء مقارنة بين حرب لبنان في تموز العام 2006 وهذه المجزرة بحق الفلسطينيين. ولكن قراءة بسيطة للواقع تظهر ان هناك مقتلة في غزة لا تشبه شيئاً. فهدير الطائرات فوق مليون ونصف المليون فلسطيني على قطعة أرض لا تتعدى 365 كلم مربعاً تختلف كلياً عن وطن كمثل لبنان مساحته الاجمالية 10452 كلم مربعاً، وكذلك تختلف بالسلاح والتدريب والمقاتلين عما كان لدى المقاومة في العام 2006 والأهم من كل ذلك قدرة الناس المدنيين على الفرار من أرض المعركة والحصول على المواد الغذائية وغيرها الكثير من أسباب بقاء الحياة.